هل تسائلت من قبل لماذا بعض المغاربة لديهم ملامح اسيوية ؟ الامر يعود ل قصة إنسانية حزينة من قصص الحروب الأليمة، أبطالها أو بالأحرى ضحاياها، هم شباب في مقتبل العمر، وجدوا أنفسهم مضطرين للقتال في صفوف بلد يحتل وطنهم، فمنهم من مات ومنهم من عاش غريبا ... نتحدث اليوم عن مأساة الجنود المغاربة والجزائريين الذين قاتلوا في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل .. " الحرب الفيتنامية الفرنسية " .. هم الجنود الأشاوس الذين طواهم النسيان
.
تحتفل فرنسا في الثامن من يونيو من كل سنة، باليوم الوطني لذكرى من ماتوا خلال مشاركتهم معها في الحرب الفيتنامية الفرنسية الشهيرة باسم الحرب "الهندو الصينية الأولى" المعروفة مغاربيا بحرب "لاندوشين" وهي الحرب التي جمعت بالأساس بين الفيتنام وفرنسا، في خمسينات القرن الماضي.
ولأجل خوض هذه الحرب، جندت قوات الاحتلال الفرنسي، آلاف الجنود من المستعمرات التابعة لها، منهم 123 ألف جندي من شمال إفريقيا فقط أغلبهم مغاربة وجزائريون.
في يوم 9 يناير 1950 ، كانت البداية والانطلاقة، من باخرة تسمى باستور، الباخرة التي حملت آلاف الشباب أغلبهم يتراوح عمره حوالي 17 سنة ... انطلقت الباخرة من المغرب، وقد كانت تقل أول فوج مغربي من المجندين للمشاركة في حرب الهند الصينية الأولى، وصلت الباخرة في نفس اليوم إلى ميناء وهران غرب الجزائر، حيث انضاف إليهم فوج آخر من المجندين الجزائريين، بعدها انطلقت الباخرة في اتجاه مصر ثم عدن فجيبوتي، قبل الوصول إلى "ها فونغ"، وهي مدينة فيتنامية ساحلية، وقد امتدت الرحلة حوالي 34 يوما في البحر، وبحسب شهادات بعض الجنود الناجين، كانت هذه الرحلة البحرية شاقة جدا .
بعد وصولهم إلى مدينة هافونغ، ثم توزيعهم إلى مجموعات بحيث أن كل مجموعة توجهت إلى مدينة معينة .... ثم إقحام هؤلاء الشباب مباشرة بعد وصولهم في الحرب، وعند كل مواجهة كان يتم تقديم الجنود المغاربيين إلى الصفوف الأمامية، فيما الفرنسيون يتراجعون إلى الصفوف الأخيرة.
شارك هؤلاء الشباب في هذه الحرب من دون خلفيات، هم أساسا لم يكونوا على علم بأسباب هذه الحرب، ومن هي الجهة التي على حق، يعرفون فقط أن بلدهم محتل من طرف فرنسا، وأنهم مجبرين على القتال إلى جانبها ...
" حاربنا لأجل الخبز " كان هذا شعار معظم المغاربة الذين اضطروا للمشاركة في الحرب الفيتنامية الفرنسية .... ولهذا السبب عاملهم الفيتناميون معاملة جيدة خاصة بعد انتهاء الحرب، حتى أن الكثير منهم تزوجوا من فيتناميات بعد ذلك.
حكايات هؤلاء كثيرة، الكثيرون للأسف لقوا حتفهم في ساحات المعارك، أما الناجون فمنهم من عاد وقد أصبح عجوزا أنهكته الحرب، عادوا وأغلبهم يعاني من أمراض مزمنة سببتها الظروف الصعبة والجروح التي أصيبوا بها خلال الحرب الفيتنامية، وآخرون اختاروا البقاء والموت في الفيتنام، وجميعهم من دون استثناء طواهم النسيان من أجل قضية لا تمت لهم بصلة.
خلال الحرب، انضم آلاف المقاتلين المغاربة والجزائريين للقتال إلى جانب القوات الفيتنامية، وبعدما وضعت الحرب أوزارها، تزوج معظمهم من فيتناميات واستقروا بقرية اسمها "بافي ها طاي" وهي قرية تقع شمال العاصمة هانوي، فقاموا ببناء بوابة كبيرة تشبه إلى حد كبير في تصميمها المعماري باب السفراء التاريخي الموجود بالمغرب، إحياء منهم لذكرى أصولهم المغربية ووطنهم الذين حرموا منه مجبرين في سن مبكرة، بعدما استحال عليهم الرجوع إليه ... لقد اندمج المغاربة بشكل جيد مع الساكنة المحلية، تزوجوا وأسسوا أسرا لهم في هذه القرية.
قصة هؤلاء لم تنته هنا، لقد تمكن المئات من هؤلاء الجنود المغاربة والجزائريين من العودة إلى أوطانهم مع زوجاتهم الفيتناميات وأبنائهم، استقروا في قرى معينة، وأنجبوا أبناء، كبر الأبناء وتزوجوا بدورهم، والجميع يحمل ملامح آسيوية، يسهل تمييزهم جدا في القرى المغربية والجزائرية، وسواء في المغرب أو في الجزائر، لقب واحد يطلق عليهم هو " الشينوا " أي الصينيون، لأنه في هذه الدول كل الآسيويون يطلق عليهم اسم الشينوا.
بقي هؤلاء المحاربون المغاربة في الفيتنام حتى 1972، عندما قرر ملك المغرب وقتها الراحل الحسن الثاني، ضرورة عودة هؤلاء الجنود إلى المغرب، مع زوجاتهم وأبنائهم، وهذا ما كان، ففي ليلة 15 يناير (كانون الثاني) 1972، وصل إلى القاعدة الجوية في مدينة القنيطرة المغربية 70 جنديا مغربيا كان عالقا في الفيتنام رفقة زوجته وأبنائه والأحفاد، كذلك الذين كانوا يحملون الملامح الآسيوية، وقد كانوا في المجموع 85 أسرة.
اقترح عليهم الملك الراحل الحسن الثاني، إما توفير وظائف لهم في مدنهم الأصلية، أو منحهم أراضي في منطقة سيد يحي الغرب. فكان أن اختار أغلبهم الاختيار الثاني، استقروا هناك ... كبر الأبناء، وكبر الأحفاد، وتزوج الأحفاد من بعد، فجاءت سلالتهم في غالبيتها بملامح آسيوية ...
الآباء الجنود العائدون من بعد سنوات في الغربة، يتقنون اللغة الفيتنامية، الأبناء كذلك وخاصة الذين ولدوا في فيتنام يتحدثون الفيتنامية بطلاقة، فيما الأمهات الفيتناميات التقطن بعضا من الكلمات المغربية، وجميعهم لم يكن لديهم مطلقا مشكلة الهوية، بالنظر لكون المغرب بلد متعدد الألسن والثقافات.... لهذا، تمكنت هذه الأسر نصف الفيتنامية والقادمة حديثا من الفيتنام، من الاندماج الفوري مع ساكنة القرى المجاورة ...
وهكذا برزت القرية الفيتنامية، وكبرت بعد زواج الأحفاد وأحفاد الأحفاد، غير أنه وبالنظر لتطورات الأجيال والزمن، انتقلت الأجيال الأخيرة للمدن الكبرى كالرباط والدار البيضاء، حيث استقرت بها، لظروف الدراسة والعمل، ومنهم من أقام مشاريع خاصة، بحيث أن كثيرا منهم أقاموا مطاعم آسيوية في العديد من المدن المغربية، لذا لا تستغرب حين تكون في المغرب فترى مغاربة بملامح آسيوية ويتحدثون الدارجة المغربية بطلاقة.
ختاما نتمنى أن معلوماتنا اليوم كانت مفيدة لكم.... دمتم في أمان الله.