مرحباً بكم في قناة أرابيك جيوغرافيك.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأت الحرب الباردة و استمرت حتى تفكك الاتحاد السوفيتي في أواخر 1990. تخلل تلك الفترة توتر سياسي و عسكري و تنافس بين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي. حينها، اضطرت الدولتان للجوء إلى طرق مبتكرة للتجسس على بعضها البعض، و من بين تلك الطرق استخدام الحيوانات في هذه المهام. نعم، صحيح! كان هناك حيوانات تتدرب على التجسس و تنفذ عمليات سرية في تلك الحقبة!
من المعروف أن التجسس يتطلب شخصاً بمواصفات مميزة : ذكي، لا يثير الريبة، يستطيع الوصول إلى المعلومات، و لا يكتشف أمره.
دشن الأمريكيون في ستينيات القرن الماضي مشروعاً حمل اسم مشروع تاكانا لتدريب الحيوانات على أعمال التجسس، كشفت عن هذا المشروع وثائق رفعت المخابرات الأميركية السرية عنها في عام 2019.
سلطت هذه المجموعة من الوثائق الضوء على البرامج المتنوعة التي تنطوي على جدوى استخدام قدرات الحيوانات البحرية و الطيور لدعم عمليات الاستخبارات. أظهرت الوثائق أن المخابرات الأمريكية كانت تدرب حيوانات على الدخول والخروج من الأماكن الصعبة أو نقل رسائل لأماكن لا يمكن للإنسان أن يدخلها.
كتبت مجلة سميثسونيان مقالة عن تدريب الحيوانات لأهداف استخباراتية و كان عنوانها : أكثر الجواسيس تدريباً في وكالة المخابرات المركزية لم يكونوا بشراً. طبعاً سيبدو الأمر مثيراً للسخرية بالنسبة للبعض، لكن بالنسبة لأجهزة المخابرات كالمخابرات المركزية الأمريكية، الكي جي بي السوفيتية و المخابرات البريطانية فالموضوع كان جدياً و كان التنافس في أوجه للحصول على معلومات سرية.
تم استخدام الحمام الزاجل لقرون طويلة لإيصال رسائل في العمليات العسكرية. و كان يتم تدريبها لحمل كبسولات صغيرة فيها رسالة وتوصيلها إلى أماكن محددة، مما يوفر وسيلة آمنة وموثوقة للتواصل. لدى الحمام القدرة على العثور على طريقه مهما كان بعيداً عن منزله، و حتى لو كان يتواجد في مكان ما للمرة الأولى.
استخدمت فرنسا الحمام الزاجل في أعمال التخابر في الحرب العالمية الأولى. فقامت بتدريب الحمام على حمل كبسولات تحتوي على رسائل سرية وإرسالها إلى الأماكن المطلوبة. هذه الطريقة ساهمت في نقل المعلومات بأمان و سرعة.
في الحرب العالمية الثانية، فضلت بريطانيا أيضاً الحمام الزاجل على التكنولوجيا الموجودة في ذلك الوقت. إذ أنزلت مجموعات من الحمام الزاجل في مناطق تنشط بها مجموعات مقاومة داخل ألمانيا. و عاد الحمام برسائل تتضمن تفاصيل عن مواقع إطلاق صواريخ و محطات رادار ألمانية. لم يتوقف استعمال الحمام الزاجل حتى في الحرب الباردة، فقد استخدمه كلا الجانبين لأعمال التخابر.
في حين كانت الدلافين تحظى بشعبية كبيرة لدى الأطفال في البرامج التلفزيونية الأميركية، عُرف أنها تورطت في الحرب الباردة. هل كنت تعرف أن هذا الكائن اللطيف كان يبحث عن الألغام و يتخفى وراء خطوط العدو ليتجسس على أنشطتهم؟
ففي تلك الفترة تنافس كل من الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي على إشراك الدلافين في العمليات الإستخباراتية. قدرتها الطبيعية على التحرك بسرعة و قدراتها الصوتية مكنتها من تنفيذ مهامها تحت الماء. ساعدت الدلافين في الكشف عن الغواصات والألغام البحرية، وتتبع الغواصين.
في العام 2011، تم الكشف عن برنامجٍ سريٍّ لاستخدام الدلافين في الاستطلاع البحري لصالح الجيش الأمريكي. تدربت الدلافين على تحديد الأهداف المشتبه بها والأجسام المشبوهة في المياه، مثل الألغام والغواصات، و استخدمت لتعزيز قدرات الاستخبارات البحرية وتحسين الدفاع البحري. في نفس الوقت، كان السوفييت يقيمون الوضع ليطوروا إجراءات مضادة.
يقال أن الغراب يستطيع أن يعمل بمفرده بشكل جيد، و لديه الذكاء الكافي للتعلم، يستطيع أيضاً أن يحمل شحنات صغيرة و ملفات، كما يمكن تدريبه على فتح درج المكتب.
استغلت السي آي إيه قدرة الغراب لتسليم و استعادة شحنات صغيرة من عتبات المباني التي يتعذر على عملاء السي آي إيه دخولها. تم تدريبه على تتبع شعاع ليزر أحمر لتحديد الهدف، و استعملوا مصباح خاص لسحب الغراب إلى الخلف، كما استطاع الغراب أن يضع أجهزة تسجيل صوتية في أماكن محددة.
من مهارات القطط التسلل والمراقبة. لن يأبه أحد لقط يتسلل إلى سفارة أجنبية مثلاً. من هنا انبثقت فكرة مشروع لتدريب القطط على أعمال التجسس من قبل مديرية العلوم و التكنولوجيا التابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية. قاموا بتزويد القطة بجهاز تجسس ينقل الصوت زرع في الأذن الداخلية للقطة و امتد سلك إلى مجموعة أدوات مزروعة في القفص الصدري.
يقال أن البرنامج فشل فشلاً ذريعاً في أول تجربة ميدانية أمام السفارة السوفيتية. لقد أخرجوا القطة من الشاحنة، فصدمتها سيارة أجرة مسرعة. بينما صدم القائمون على المشروع لرؤية القطة ميتة. أنهى سائق متهور مشروعاً كلف الكثير.
نجحت الجرذان في التعرف إلى رائحة المتفجرات والألغام. حاسة الشم الفائقة وحجمها الصغير يتيحان لها التنقل في التضاريس الخطرة واكتشاف المتفجرات المخفية. استخدمت في الأمن الداخلي لاكتشاف المتفجرات في المطارات و المباني الحكومية و الأماكن العامة. تعتبر هذه الطريقة فعالة لتعزيز الأمن و السلامة العامة.
تتمتع الكلاب البوليسية المدربة بقدرات استثنائية أيضاً في مجال تمييز الروائح و تتبعها و التعرف على الأهداف.لم يقتصر استخدامها على الجانب الغربي فحسب، بل استخدم الاتحاد السوفيتي أيضاً الكلاب المدربة في اكتشاف الألغام خلال الحرب العالمية الثانية. لا يمكن الاستغناء عن الكلاب المدربة حتى مع تطور التقنيات الحديثة. ما زالت تستخدم في الوقت الحاضر لاكتشاف المتفجرات و تعقب الأشخاص و لها أهمية كبرى في مجال الأمن بفضل حاسة الشم الفريدة التي تمتلكها، إذ يمكنها العثور على المتفجرات في الأماكن المغلقة أو في الأماكن الخارجية و تمييز الروائح الفريدة للأشخاص.
هناك جانب آخر من تجسس الحيوانات هو أنه يجب تدريبها باستمرار لكي تبقى مفيدة في الاستخبارات و الوصول إلى المعلومات. لكن تدريبها في العصر الحالي أصبح ضيق النطاق، فتطور التكنولوجيا ساعد في توقف هذا النوع من البرامج و الاتجاه نحو طرق جديدة لجمع المعلومات كاستخدام الروبوتات و التجسس السيبراني، الصوتي، البصري و غيرها.
ختاماً، لقد شهد عالم الاستخبارات خلال الحرب الباردة ابتكارات غير تقليدية للحصول على المعلومات السرية ربما بسبب ما يشاع عن أن الدول التي لا تمتلك استخبارات قوية فلن تحافظ على مكانتها بين القوى العظمى. و أنتم هل ترون أن الحيوانات ما زال لديها دور مستقبلي في التجسس؟ اكتبوا لنا آرائكم في التعليقات.