يزخر البحر بأسرار لا يمكن عدها أو حصرها، ولازال العلماء يكتشفون كل يوم أسرار جديدة عن كائنات جديدة ...
.
سمكة نطاط الطين، اسمها غريب جدا، لكن الأغرب سلوكها وأساليبها في العيش، فهي سمكة مختلفة تماما عن باقي أنواع الأسماك الأخرى التي نعرفها، أو تلك التي نحمل لها صورا في أذهاننا ..
مصدر غرابتها الأول، هو أنها عكس باقي أنواع الأسماك والكائنات المائية الأخرى، تقضي معظم حياتها خارج الماء، بالضبط في الأراضي المشبعة بالطين، بمعنى أنها كائن برمائي .. تتنفس الهواء في اليابسة، وتمارس عددا من الأنشطة، بل إنها تنشط خارج الماء أكثر مما تنشط داخله، حيث أنها تأكل وتتفاعل مع بعضها البعض خارج المياه، بشكل طبيعي جدا، بل إنها أيضا تدافع عن أرضها في اليابسة ضد الاعداء.
سمكة نطاط الطين، جذبت أنظار العلماء إليها، بسبب سلوكياتها التي لا تمت لعالم الأسماك بصلة، فهي زيادة على كل المذكور سابقا، لها قدرة كبيرة على الزحف على الأرض، وعلى تسلق الاشجار بواسطة زعانفها الصدرية.
من جهة أخرى، استطاع العلماء، معرفة أسلوبها المميز، الذي تتغذى به في اليابسة، حيث أنها تستعمل فقاعات الماء تحتجزها في فمها وتستعملها كما لو أنها "لسان" ... وقد طورت سمكة نطاط الطين هذه التقنية بعد انتقالها من الماء إلى اليابسة ... ويقول الباحثون أن هذه العملية، هي شبيهة جدا بتلك الخاصة ببعض الحيوانات التي تتغذى بألسنتها على الأرض، بحيث يتيح لها هذا اللسان الزائف التقاط مواد غذائية على اليابسة وابتلاعها، عكس باقي الكائنات المائية، التي لا يمكن أن تأكل إلا بعد عودتها إلى الماء ...
أما غذاؤها فهو يعتمد بالخصوص على السرطانات الصغيرة والمفصليات الأخرى الأصغر حجما منها ...
والجدير بالذكر أنه ثم التعرف على حوالي 18 نوع من نطاط الطين منتشرة على عدد من الشواطئ الطينية في العالم، بحيث يختلف لون الزعانف باختلاف النوع، ونطاط الطين يتواجد على الخصوص بالمناطق الاستوائية، وشبه الاستوائية وحتى المناطق المعتدلة، كشرق افريقيا، مدغشقر، جنوب الصين، اليابان وحتى شمال استراليا ...
يذكر أنها كانت تتواجد سابقا في شواطئ الخليج العربي قبل أن تختفي تماما في بداية ثمانينات القرن الماضي.
ولكن يبقى السؤال الذي حير المهتمين، هو كيف يمكن لهذا النوع من الأسماك أن يتنفس خارج الماء ؟
بحسب الملاحظات، التي أجريت على أسماك نطاط الطين، توصل العلماء إلى أن سمكة نطاط الطين، تستعمل طريقتين تمكنها من التنفس خارج الماء هما:
الطريقة الأولى : هي قدرتها على التنفس من خلال مسام الجلد وبطانة الفم وأيضا الحنجرة
الطريقة الثانية : هي قدرتها على التنفس بواسطة خياشيمها الواسعة، والتي تجعلها قادرة على التنفس خارج الماء ، حيث أنها تقوم بملأ الخياشيم بالماء قبل الذهاب الى اليابسة، وذلك لأخذ كفايتها من الأكسجين ... وهذا هو السبب الذي يجعل وجهها يبدو منتفخا دائما
من جهة أخرى، فإن سمكة نطاط الطين، تغلق خياشيمها بإحكام، عندما تكون خارج الماء، وذلك لتحافظ عليها رطبة، وحتى تمد السمكة بالأوكسجين أطول مدة ممكنة عندما تكون خارج الماء.
كذلك من سلوكيات هذه السمكة العجيبة، أنه حينما تشعر بوجود غرباء في محيطها، فهي تقوم بالقفز لأقصى مسافة تستطيعها على الطين، احتياطا من أي خطر قد يهددها ... كما أنها تقوم بإبراز زعانفها الظهرية كعلامة على وجود المنافسين من حولها .. مستعينة لأجل الكشف عن وجود غرباء في محيطها بعينيها البارزتين أعلى رأسها، من جهة أخرى ولأجل الحفاظ على رطوبتهما وهي على اليابسة، تقوم السمكة العجيبة، بجعلهما ينغرزان داخل رأسها الرطب عندما تغمض عينيها.
من جهة أخرى، ولأجل الحفاظ على رطوبة جسمها خلال تواجدها على اليابسة، تقوم الذكور بحفر انفاق عميقة على شكل حرف U في الرواسب الطينية .. حيث أن هذه الأنفاق تحافظ على رطوبتها وعلى درجة حرارتها ... كما تجنبها خطر الحيوانات المفترسة خلال موجة المد..
عملية بناء الخنادق، هي عملية صعبة جدا، يبذل فيها الذكور جهدا كبيرا، بحيث أنهم يحفرون باستعمال الفم فقط، مما يعني أن العملية تتطلب جهدا كبيرا ووقتا كثيرا، وفي نهاية الخندق، يبني الذكر غرفة تضع فيها الإناث البيض، حيث أن عمليات الولادة غالبا تثم هنا، إذ تضع الإناث البيض هنا في الخندق ..
كذلك من المهام الشاقة للذكر والضرورية لأجل الحياة، هي محافظته على مستوى الاكسجين في الخندق الذي حفره، من خلال أخذ كمية من الاكسجين من مدخل الخندق ونفثها في الغرفة ويستمر ذكر سمكة نطاط الطين في تكرار العملية مئات المرات المتتالية، حتى تمتلئ الغرفة بالكمية المناسبة من الأكسجين ...
.
ختاما، نتمنى أن تكون معلومات اليوم قد لاقت استحسانكم وأنها كانت مفيدة لكم ... دمتم في رعاية الله.