من المشاهد التي نشاهدها كثيرا وتتكرر باستمرار في الأفلام والمسلسلات العالمية، إقدام بعض الأشخاص على الانتحار، عن طريق قطع شرايينهم بواسطة استعمال أدوات حادة، وهو الفِعْلُ الذي يؤدي بعد ذلك إلى الوفاة ... في نفس الوقت نحن نسمع كثيرا عن أشخاص قاموا بقطع يدهم بالكامل لكنهم لم يموتوا ... وهنا يتساءل العديدون، كيف أن الشخص الذي يقطع شرايينه يموت والذي يقطع يده بالكامل لم يمت ؟
.
قبل الدخول في الموضوع، لا بد من الإشارة أولا إلى أن كمية الدم في جسم الإنسان الطبيعي، تشكل حوالي 8 بالمئة من وزن الجسم، وهي تتراوح غالبا ما بين 4 إلى 6 لترات، والدم هو الذي يغذي جميع أعضاء الجسم، بما فيها الكبد والرئتين والكلى، وذلك حتى تقوم بجميع وظائفها الحيوية على أكمل وجه، أما في حالة حدوث أي خلل في كمية الدم في الجسم فهذا يعني حدوث خلل في وظائف هذه الأعضاء ... وهنا مربط الفرس .. حيث أن الشرايين تعتبر هي الممرات التي تحمل الدم من القلب وتوزعه على جميع خلايا الجسم، وذلك حتى يمدها بالأكسجين والغذاء اللازمين لأداء وظائفها الحيوية بشكل طبيعي ...
وبالعودة لموت الإنسان بعد قطع شرايينه، فلا بد من التنبيه إلا أنه ليس كل من قطع شرايينه يموت، وإنما الأمر يتعلق بكمية الدم المفقود، ومرحلة الخطر التي يصل بعدها الشخص إلى الموت، هي عندما يفقد نسبة 40 بالمئة من دمه وأكثر، من دون أي تدخل استعجالي لأجل إنقاذه ....
وهنا أصل المشكلة، فعندما يقطع الإنسان شرايين يده، فإن ذلك يتسبب له في حدوث نزيف شديد وفقدان كميات كبيرة من الدم، وفي حالة لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لأجل وقف هذا النزيف، فإن الشخص المعني سوف يموت لا محالة ... حيث أن هذا النزيف الدموي سوف يتسبب في اضطراب ضربات القلب، الشيء الذي يتسبب بدوره في انهيار الدورة الدموية يتبعه خلل في معظم الوظائف الحيوية للجسم وبالتالي السكتة القلبية ثم الوفاة
وهنا لا بد من التمييز، بين الشريان والوريد، حيث أن العديدين يخلطون بينهما، فكلاهما عرق، وكلاهما يسبب نزيفهما الموت، غير أن السيطرة على نزيف الوريد يبقى أسهل من السيطرة على نزيف الشريان، والسبب في ذلك هو أن ضغط دم الوريد قريب من الصفر، ونزيفه يكون بطيئا، لهذا يمكن إيقافه والتحكم فيه بسهولة، فقط بالضغط على الوريد المصاب إلى أن يشكل الجسم خثرة تسد هذا النزيف ... أما الشرايين فهي من أصعب الأوعية الدموية التي يصعب السيطرة على النزيف بها، وذلك بسبب ضغط الدم الكبير فيها، إذ أنها هي التي تنقل الدم من القلب إلى باقي أعضاء الجسم، كما أن الشرايين تكون داخلية وعميقة في الجسم ... لهذا فإن الضغط على الشريان بعد النزيف لا يكفي لجعله يتوقف ..
وجبت الإشارة إلى أن قطع شرايين اليد، لا يتسبب في الوفاة السريعة كما نشاهد في الأفلام، بل على العكس من شأن بعض الإسعافات الأولية البسيطة في المنزل، والتدخلات السريعة أن تنقذ الشخص الذي قام بقطع شرايينه، وهذا هو أهم ما يجب فعله في هذه الحالة :
أولا : الاتصال الإسعاف
ثانيا : تعقيم اليدين، وذلك لأجل تفادي نقل العدوى من الجراثيم من يد المُسعِف إلى داخل جسم المريض
ثالثا : تنظيف منطقة الجرح أو النزيف، وذلك بوضع بعضا من قطع القطن الطبي فوق مكان الجرح وتنظيفه بمعقم الجروح
رابعا : تلفيف منطقة الجرح بقطعة قماش نظيفة مع الضغط بقوة على مكان الجرح لأجل وقف النزيف
أما لماذا لا يموت الشخص بعد بتر يده ؟ فهذا الاعتقاد من الأساس خاطئ، فقطع اليد هو كذلك أمر خطير، وقد يكون أخطر من قطع الشرايين، وذلك لأنه بدوره يؤدي إلى النزيف الذي يتسبب في خلل في وظائف الجسم وبالتالي قد يؤدي إلى الموت ...
وسبب هذا الاعتقاد هو أننا نسمع كثيرا عن أشخاص قطعوا شرايينهم بملأ إرادتهم في حين أننا لا نسمع عن أشخاص قطعوا أيديهم بالكامل بملأ إرادتهم، وأفلام السينما لها نصيب كبير في هذا الاعتقاد، حيث أن أغلب الأشخاص الذين اضطروا إلى بتر أيديهم يكونون تحت إشراف طبي، وبالتالي تتم السيطرة على النزيف والوضع، فيعيش الشخص بعدها، وغالبا بتر اليد يكون إما لأسباب مرضية تستدعي ذلك أو بسبب تعرض الشخص لحادث معين، وفي حالة ثم نقله إلى المستشفى بسرعة فهو سوف يعيش، لكن إذ تُرك ينزف وحيدا فهو هالك لا محالة .... والخلاصة من كل الكلام المذكور سابقا، أن قطع الشرايين وقطع اليد كلاهما يؤديان إلى النزيف وإلى الموت في حالة لم يتلقى المريض العلاجات اللازمة ..
وعليه فالفكرة أو التساؤل الذي يطرحه العديدون، حول لماذا الذي يقطع شرايينه يموت والذي يقطع يده لا يموت، هي فكرة من الأساس خاطئة، والسبب في هذا الاعتقاد الخاطئ يعود إلى الأفلام التي رسخت لنا هذه الفكرة مثلما رسخت فينا العديد من الأفكار الخاطئة الأخرى ..
ختاما، نتمنى أن يكون موضوع اليوم قد لاقى استحسانكم وانه كان مفيد لكم ... دمتم في عناية الله