قصة سيدنا يونس في بطن الحوت
في أرض العراق، كانت قبيلة لازالت موجودة إلى اليوم وتدعى " نَيْنَوى" انتشر بها الشرك وعبادة الأصنام، فبعث الله لهم نبيا، يردهم عما هم فيه، ويذكرهم به وهو الواحد الأحد ... يونس ابن متى أو " ذا النون "، اصطفاه الله من عباده لأداء هذه المهمة، التي كانت عصيبة، وقد ورد ذكره في القرآن الكري.
فما هي قصته إذن ؟
هو يونس بن متّى، ويتصل نسبه بنسل بنيامين شقيق النبي يوسف عليه السلام، بعثه الله إلى قوم نينوى في العراق، حيث كان الشرك قد انتشر بينهم، فكانوا يعبدون الأصنام، فنصحهم يونس عليه السلام وأرشدهم إلى طريق التوحيد وعبادة الله وحده، غير أنّهم كفروا برسالته، وكذبوه، واستمروا على ظلالتهم وعبادتهم للأصنام وأوثانهم التي كانوا يبنونها بأنفسهم، وكان من بين أشهر أصنامهم التي يعبدونها صنم إسمه عشتار .
حسب عدد كبير من الأخبار أن دعوة نبي الله يونس -عليه السلام-استمرت حوالي ثلاث وثلاثين سنة، ولكن لم يؤمن معه سوى رجلين، فشعر يونس -عليه السلام- باليأس فخرج من البلدة وترك قومها.
خرج يونس -عليه السلام- من نينوى، بعد أن يئس ولم يستجب أحد لدعوته من غير رجلين فقط، وظن أن الله -تعالى- لن يؤاخذه بسبب خروجه ...
وبعد خروجه، بدأ غضب الله يحل على القبيلة المُشرِكة، فصاح القوم أنه عذاب رب يونس الذي توعدهم به، تحولت السحب إلى سوداء، الدخان في كل مكان، واسودت أسطح المنازل وتلوث الهواء، تملكهم الخوف والذعر فقد أيقنوا أن يونس كان على حق وأنه العذاب الذي توعدهم به.
خرجوا يبحثون عن يونس - عليه السلام - كي يرشدهم إلى عبادة الإله الواحد الأحد، وقد ندموا على تكذيبهم إياه، و رغبوا في الثوبة، بحثوا عنه، لكنهم لم يجدوه .
فذهبوا إلى شيخ من الذين آمنوا بيونس، كي يهديهم إلى عبادة الله، توجهت كل القبيلة إلى هذا الشيخ المؤمن، رجالا ونساءا كبارا وصغارا، بل وأخذوا معهم حتى دوابهم وحيواناتهم، وجعلوا على رؤوسهم الرماد ... كانت رغبتهم كبيرة في التوبة إلى الله، أقبلوا على الشيخ في مشهد مهيب وكلهم ندم على تكذيبهم نبي الله يونس.
لكن ماذا حصل مع يونس عليه السلام بعد خروجه من نينوى؟
حين خرج يونس من قبيلته، التحق بقوم كانوا يستعدون للسفر بحرا، فركب معهم سفينتهم، وفي عرض البحر، تمايلت السفينة بعد أن فقدت توازنها بسبب الحمولة الكبيرة، فكان الحل الوحيد هو تخفيف الحمولة وذلك بإلقاء أحد الركاب في البحر. كان الحل هو إجراء قرعة، لتحديد الشخص الذي سوف يلقي بنفسه من السفينة إلى البحر، اقترع الركاب والسهم الذي خرج هو سهم نبي الله يونس، ولأن كل الركاب لمسوا فيه الصلاح والطيبة وحسن الخلق، لم يحبوا الأمر، فاقترحوا الاقتراع مرة أخرى، وللمرة الثانية كان سهم سيدنا يونس هو الذي خرج، وهذه المرة لم يعترض يونس عليه السلام في أن يلقي بنفسه في البحر، لأنه شعر بأنها إشارة من الله تعالى له، وأنه أكيد سوف ينجيه من الغرق.
ألقى سيدنا يونس بنفسه في البحر ... أصبح وحيدا في البحر وكله أمل في قوة الله تعالى، أقبل إليه حوت ضخم والتقمه، الان صار يونس عليه السلام في بطن الحوت.
ظنّ يونس عليه السلام أنه مات، واستسلم لقدره، لكنّه تفاجأ وهو يحرك يديه وساقيه، فأدرك أنه لازال على قيد الحياة، فقام وسجد لله تعالى حمدا وشكرا، بأن أنجاه ... بقي يونس في بطن الحوت ثلاثة أيّام، وفي هذه الفترة كان يسمع أصواتاً غريبةً وهو في بطن الحوت، فأوحى الله إليه أن مخلوقات البحر تسبح بحمده، فسبح هو أيضا لله تعالى قائلاً: (لا إله إلّا أنت، سُبحانك إنّي كنت من الظّالمين) .... بعدها كان أمر الله تعالى للحوت بأن يحذفه إلى اليابسة، ومن رأفة الله بعبده يونس أنبتت في نفس المكان شجرة يقطين، ليستظلّ بها ويأكل من ثمارها.
عاد يونس -عليه السلام- إلى قبيلته نينوى، فوجدهم مؤمنين موحدين بالله تعالى، ففرح بقومه كثيرا، مكث معهم مدة من الوقت، وحينما اطمأن إليهم وأنهم على الطريق الصحيح، تركهم وغادر إلى وجهة أخرى ... لكنهم عادوا إلى كفرهم مرة أخرى وهذه المرة أنزل الله عليهم عذابه الشديد، ودمر مدينتهم بأكملها وجعلهم عبرة للظالين.
قال تعالى : " وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ " سورة الصافات الآيات 139-148