ليلة سقوط بغداد


الإمبراطورية المغولية، هم قبائل همجية أجنبية وهم أكبر وأضخم إمبراطورية من ناحية القوة والمساحة في التاريخ، وأعظم رعب مر على تاريخ قارتي أوروبا وآسيا، مكونة من المغول والترك وهي ما تسمى حالياً منغوليا، وانتشرت في معظم أنحاء العالم القديم. 

كان جنكيز خان يترأس المغول، وبدأ هجومه وغزوه على البلاد فبدأ بالصين، ثم بلاد ما وراء النهر يليها أواسط آسيا وامتد نفوذهم شمال فارس المعروفة إيران حالياً، ليقوم هولاكو المغولي بأوامر من جنكيز خان بالقضاء على فرقة الحشاشين أخطر فرقة سرية في العالم الإسلامي. 

بذلك كان زحف المغول متوجهاً نحو الدولة العباسية وعاصمتها بغداد، المتمثلة بخليفتها عبد الله المستعصم الذي امتازت شخصيته بأمرين غريبين للغاية الأول ثقافته واطلاعه وحبه للقراءة مع حب المال والرفاهية، والثاني التقتير والبخل الشديد على تطوير مؤسسات الدولة ومرافقها وعلى رأسها المؤسسة العسكرية التي كانت تواجه أخطر تحدٍ وجودي متمثل في اجتياح المغول واحتلالهم لمعظم القارة الأسيوية وبلدان العالم الإسلامي الشرقية حتى تخوم العراق. 

مع ذلك لم يولي المستعصم بالاً لزحف المغول ورأى أن أسهل وأفضل حل أن يبرم مع التتار اتفاقاً يتم فيه تخفيض عدد الجيش العباسي من مائة ألف مقاتل في كافة الأراضي العباسية إلى أقل من عشرين ألفاً، ويعطي في المقابل جزية سنوية لهم، وبهذا لم يعد من المتوقع حدوث الصدام العسكري بين الفريقين كما ظن المستعصم، ومع أن قائده العسكري مجاهد الدين أيبك نصحه أن يُبادر بمواجهة المغول لأنهم عاجلاً أو آجلاً سيدخلون العراق ولكن المستعصم رفض ذلك ولم يقتنع به. 

ابتدأ هولاكو يُعدّ العدّة لغزو بغداد، وفي سنة 1257م تحرك هولاكو بالجيش وبصحبته أمراء المغول والقادة وحكام وكتّاب من إيران، وعندما وصل أسد أباد أرسل للمستعصم يأمره بأن يأتيه وهنا بدأ المستعصم يشعر بالخوف فحاول استرضاء هولاكو ومهادنته، فأرسل وفداً إليه محملاً بالهدايا الفاخرة والنفيسة يفاوضه ويستأمن على حياة الخلفة وعائلته ويُثنيه عن احتلال بغداد. لكن هولاكو رفض كل ذلك. 

في عام 1258م استطاع قائد المغول هولاكو أن يصل بالفعل إلى أسوار بغداد الشرقية وأحاطها هو وخيوله من جميع جهاتها، فواجهته القوات العباسية وأمام هذه الهجمة الشرسة من قوات تُقدر بعشرات الآلاف انهارت الدفاعات العباسية بعد استنفاذ الجهد والطاقة، وأمست بغداد الشرقية بين مطرقة هولاكو من الشرق وسندان القائد المغولي الآخر بايجو من الغرب الذي استولى أيضاً على بغداد الغربية. 

أرسل هولاكو إلى الخليفة العباسي المستعصم يقول له أنه حُرٌّ في الخروج أو البقاء في المدينة، لكن جيش المغول لن يُبارح الأسوار وعليه أن يُسلم وزرائه وجنوده، ففعلوا ذلك وخرج عساكر بغداد مستسلمين ولم تكن أعدادهم كبيرة، فقسّمهم المغول لمجموعات من ألوف ومئات وعشرات وذبحوهم جميعاً. 

كانت عمليات المغول في بغداد من أشرس العمليات دموية، فيقال أن المغول كانوا يستدعون الأكابر من دار الخلافة، فيخرج الواحد منهم بعياله ونسائه فيأخذوهم إلى مقبرة الخلال ويذبحونهم كما تُذبح الخراف ويأخذون بناتهم وجواريهم. 

بعد ذلك خرج المستعصم وأولاده و700 من القضاة والفقهاء والأمراء ورجال الدولة والأعيان للقاء هولاكو. لكن لم يُسمح إلا بقاء 17 عشر رجل فقط مع المعتصم، وتم قتل البقية. 

أمر هولاكو المستعصم بأن يأمر سكان بغداد بالخروج دون أسلحة ليتم إحصائهم ففعلوا، فغدر بهم المغول وقتلوهم. ثم وضع الخليفة وأولاده وأتباعه تحت الحراسة. 

بذلك أصبحت بغداد كاملة تحت سيطرة المغول فاجتاحوا طُرقات بغداد، واستباحوها وقتلوا كل نفس صادفتهم، ونهبوا وحرقوا كل ما صادفوه وأعطوا الأمان للمسيحيين وبعض اليهود، وكل من يفتدي نفسه بالمال. 

أقدم المغول على حرق عدد من معالم المدينة وأماكنها المقدسة مثل جامع الخليفة، ومقابر الخلفاء، ودمروا بيت الحكمة وهي من أكبر وأشهر مكتبات بغداد النفيسة، وألقوا الكتب في نهر دجلة حتى أسودّ لونه. 

استباح المغول بغداد أربعين يوماً فمالوا على البلد وقتلوا جميع من رأوه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول، ولو ينجُ من هذه المذبحة سوى القليل من الذين اختبأوا في الآبار وأقنية المجارير والأوساخ. وقٌدّر عدد القتلى ما بين 800.000 إلى 2 مليون شخص. 

بعد الأربعين يوماً أوفد أهل بغداد شرف الدين المراغي، وشهاب الدين الزنجي إلى هولاكو يطلبون الأمان، فأصدر هولاكو أوامره بوقف النهب، وانصرف أهل بغداد إلى مزاولة حياتهم بعد المجزرة التي حدثت معهم. 

بعد ذلك دخل هولاكو إلى قصر الخليفة المستعصم وأخذ منه كل كنوزه وأمواله، ويذكر المؤرخون أن ما جمعه بني العباس خلال خمسة قرون من أموال أصبح غنيمة للمغول. وبعد ذلك أمر هولاكو بإعدام الخليفة المستعصم، الذي كان يبلغ من العمر 46 سنة، وبلغت مدة خلافته خمس عشرة سنة. كما قتلوا أولاده، وبذلك قُضي على الدولة العباسية التي حكمت ما يُقارب خمسة قرون. 

بهذا تكون قد سقطت بغداد على يد المغول، فهل هنا سيتوقف زحف المغول؟ أم سيستمر؟ ولأين سيصل؟ هذا ما سنعرفه معكم في الحلقة القادمة
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-